مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
رسالة من الزعيم للقوميين [10
 
 
 
نشرة عمدة الإذاعة، بيروت،المجلد 3 العدد 1، 30/6/1947
 

(من دائرة الإنشاء: لـما علم مجلس عمد الـحزب القومي الاجتماعي أنّ عودة الزعيم ستتأخر عن أواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني من السنة الـماضية، كلّف حضرة عميد الإذاعة الرفيق فايز صايغ الكتابة إليه وسؤاله إرسال رسالة إلى القوميين الاجتماعيين التائقين إلى رؤيته وسماع صوته والإصغاء إلى كلامه الـمحيي. فكتب الزعيم في العاشر من يناير/كانون الثاني الـماضي رسالة احتوت على أدق الأوصاف وأعمق النظرات السياسية والعقائدية والفلسفية التي تـحتاج إليها الـحركة القومية الاجتماعية في هذه الـمرحلة الدقيقة من حياتها وجهادها.


وقد تسلمت عمدة الإذاعة هذه الرسالة التعليمية الـممتازة في أواخر يناير/كانون الثاني وعرضتها على أعضاء الـمجلس الأعلى وأعضاء مجلس العمد، فأشار بعضهم بعدم نشرها في تلك الظروف فأجّلت العمدة نشرها. ولكنها ترى الآن أنّ نشرها ساعة وصولها كان أوفق نظراً لـحاجة الـحزب إلى التحليل الدقيق الذي اشتملت عليه ويحتاج إليه الـحزب القومي الاجتماعي والأمة جميعها كل الـحاجة.


وللتعويض عما فات دفعت عمدة الإذاعة هذه الرسالة الـخطيرة جداً إلى النشر وهي كما يأتي:)


أيها القوميون الاجتماعيون،
هذه رسالة ثانية أوجهها إليكم من أسري القسري في هذا الـمغترب البعيد، وأنا أرتقب ساعة الفكاك والعودة إلى وسط الـحركة في الوطن في حمى هذه النهضة القومية الاجتماعية العظيمة التي تشيّدون حقيقتها بأخلاق سيضعها التاريخ في أرفع محل من التقدير وبـمناقب ستبقى مثلاً مجيداً على كرور السنين وتعاقب القرون.


تسع سنوات إلا أشهراً قليلة قد مرّت على اغترابي القسري الذي لم يكن في أوّله سوى رحلة اختيارية حد مُدَّتها سنتان. فجاءت الـحرب العالـمية الثانية عجلى وأقامت الـحواجز والفواصل وقطعت خط الرجعة عليّ. وما وددت شيئاً إلا أن أكون عدت إليكم قبل شبوب نارها، وقد كدت أعود وأنا بعد في بدء رحلتي إلى هذا العالم الـجديد الغريب، لولا حدوث مؤتـمر مونيخ الذي دلّ ظاهره على أنّ الـحرب قد تأجلت إلى مدة لم يكن منتظراً أن تكون في هذا القصر.


ها هذه السنوات التسع تقارب ختامها وفي كل هذا الوقت الطويل الذي مرّ كانت عيناي ترعيانكم عن هذا البعد، أعرف ما تقاسون وتـجهلون ما أقاسي.
أنتظر بفارغ صبر فكاك أسري لأعود إليكم، وترتقبون بحرارة متصاعدة عودتي بعد هذا الغياب الطويل، ويقيننا أنّ ما جمعه الـمثال الـحي في نفوسنا لا يفرّقه عوارض الزمان وتباعد الـمكان.
ها سنوات تسع تكاد تنقضي على انقطاع تام، كم قاسيتم خلالها وكم قاسيت! في هذه الـمدة عادت أفعى الاستعمار الـمجروحة جرحها الـمميت تشد عليكم بكل قوّتها شدها الأخير بعزمها الأخير، وعدتم تثبتون لشدّها الأخير كما ثبتّم لشدّها الأول، فكان ثباتكم أقوى من ضغطها، فانحلت عنكم ووثبتم على بقيتها بـما فيكم من عزم، وفي هذه الـمدة كنت أنا أجرّب من إبليس وزمرة الشياطين والأرواح الشريرة الكثيرة، وها التجربة العظيمة قد انقضت وارتدّ إبليس وانخذلت زمرته وهربت الأرواح الشريرة.


في كل هذه الـمدة الطويلة، وبعد كل هذه الـمحن العظيمة، لم يضعف إيـماننا بل قَوِيَ - إيـمانكم بي وإيـماني بكم. آمنتم بي معلماً وهادياً للأمة والناس ومخططاً وبانياً للمجتمع الـجديد وقائداً للقوات الـجديدة الناهضة الزاحفة بالتعاليم والـمثل العليا الـجديدة إلى النصر. وآمنت بكم أمة مثالية معلمة وهادية للأمـم، بنّاءة للمجتمع الإنساني الـجديد، قائدة لقوات التجدد الإنساني بروح التعاليم الـجديدة التي تـحملون حرارتها الـمحيية وضياءها الـمنير إلى الأمـم جميعها، داعية الأمـم إلى ترك عقيدة تفسير التطور الإنساني بالـمبدأ الروحي وحده وعقيدة تفسيره، من الـجهة الأخرى، بالـمبدأ الـمادي وحده، والإقلاع عن اعتبار العالم ضرورة، عالم حرب مُهلِكةٍ بين القوة الروحية والقوة الـمادية، وإلى التسليم معنا بأن أساس الارتقاء الإنساني هو أساس روحي - مادي (مدرحي) وأنّ الإنسانية الـمتفوقة هي التي تدرك هذا الأساس وتشيد صرح مستقبلها عليه. ليس الـمكابرون بالفلسفة الـمادية بـمستغنين عن الروح وفلسفته ولا الـمكابرون بالفلسفة الروحية بـمستغنين عن الـمادة وفلسفتها.

إنّ العالم الذي أدرك الآن، بعد الـحرب العالـمية الأخيرة، مبلغ الهلاك الذي جلبه عليه قيام الفلسفات الـجزئية الـخصوصية - الفلسفات الأنانية التي تريد أن تـحيا بالتخريب - فلسفة الرأسمالية الـخانقة وفلسفة الـماركسية الـجامحة، التي انتهت في الأخير بالاتـحاد مع صنوها الـمادية الرأسمالية بقصد نفي الروح من العالم، وفلسفة الروح الفاشستية وصنوها الاشتراكية القومية الـمحتكرة الروح، الرامية إلى السيطرة به سيطرة مطلقة على أمـم العالم وشؤونها - هذا العالم يحتاج اليوم إلى فلسفة جديدة تنقذه من تخبط هذه الفلسفات وضلالها. وهذه الفلسفة الـجديدة التي يحتاج إليها العالم - فلسفة التفاعل الـموحد الـجامع القوى الإنسانية - هي الفلسفة التي تقدمها نهضتكم.


قد حدثت حوادث في سياق الـمدة التي انقضت وتغيّرت مظاهر في وطننا: بعد سقوط فرنسة في قبضة الألـمان وقيام حكومة فرنسية في فيشي متفاهمة مع الفاتـحين، إغتنمت القيادة البريطانية الفرصة فزحفت قواتها الـمرابطة في جنوب سورية على شمالها تصحبها شراذم فرنسية مؤتـمرة بأمر الـجنرال ديغول. وبعد مواقع حربية معروفة سلّمت قوة فيشي للزاحفين وحلّ الـجيش البريطاني محل الـجيش الفرنسي في لبنان والشام. وقرب نهاية الـحرب عادت فرنسة تـحاول استعادة مركزها السابق فغضبتم وثرتـم ووافقت رغبة البريطانيين ومصالـحهم ثورتكم. فتخلّى، تـجاه هذه الـحالة، عن فرنسة حتى عشاق احتلالها وانحازوا إلى حركتكم، وأوعزت الـحكومة البريطانية إلى جيشها الـمحتل في لبنان والشام أن يقف في وجه الـحركات العسكرية الفرنسية، وتـم أخيراً الاتفاق على الـجلاء العسكري من شمال سورية والاعتراف باستقلال لبنان والشام كيانين قائمين بذاتيهما، فجلت القوات الفرنسية إلى فرنسة ومستعمراتها وعادت القوات البريطانية إلى فلسطين، ولم يبقَ للسيطرة البريطانية مزاحم في شرق الـمتوسط.


رأيت من الضروري تأدية هذه الـخلاصة الواقعية لتعلموا ويعلم الناس علماً لا شك ولا غموض فيه أنّ الكيان الـحقيقي الـحائز جميع شروط السيادة والاستقلال الـحقيقيين هو كيان حزبكم القومي الاجتماعي، فهو الدولة الـمستقلة استقلالاً صحيحاً، لأن استقلالها كان وليد عقيدتها وإرادتها وعملها وليس وليد الصدف والظروف، ولأنها هي الدولة التي نشأت حرة وعملت، منذ نشأتها، بـمطلق سيادتها منذ أعلنتُ سيادتها واستقلالها في خطابي الـمنهاجي في أول يونيو/حزيران سنة 1935، فحاربت الفرنسيين حرب دولة منظمة ذات سيادة واستقلال وحافظت على هذه الشخصية في جميع الظروف وجاهدت ما أمكنها الـجهاد في جميع الـجبهات القومية. وفي أشد ساعات حروبها حراجة ظلت معنوياتها عالية يصح أن تكون قدوة لدول كثيرة.


أقول ذلك ليكون أيضاً واضحاً أنّ الترتيبات الوطنية الطائفية والإقطاعية التي حلّت محل الاحتلال والانتداب في الشمال ليست من صنع القوميين الاجتماعيين ولا من نتائج عملهم ولا مـما يقبلون باستمراره. ولست أقصد هنا بذلك الكيانات السياسية في ذاتها، ككيان لبنان وكيان الشام وكيان شرق الأردن، لأنني رأيت، منذ البدء، أنّ العلة ليست في هذه الكيانات، وأنّ هذه الكيانات نتيجة لا سبب، بل أقصد نوع الـحكم والإدارة والـحياة السياسية اللاقومية، الفوضوية، فيها، فكأن الاستقلال ليس، للفئات الانتهازية، سوى غنيمة باردة لـمن يسبق إليها «ومن بعدي الطوفان».
ولست أقصد، من جهة أخرى، إنكار جميل الـمساعدة البريطانية للتخلص من الاحتلال الفرنسي وبلوغ الـحالة الاستقلالية الـحاضرة. إنّ تألّـمنا من الـمؤامرة البريطانية - اليهودية على حقوق السوريين في فلسطين ومن بيع البريطانيين هذه الـحقوق لليهود ظلماً وعدواناً، لا يـمنعنا من الاعتراف لبريطانية العظمى بجميل الـمساعدة على الوصول إلى حالة الاستقلال الـحاضرة. ولن نوفي هذا الـجميل قبيحاً. ولكننا في الوقت عينه، لا نرى أنّ جميل الـمساعدة في الشمال يـمحو قبيح الـمؤامرة في الـجنوب. إنّ فلسطين سوريّة ولن نتخلى، أبداً، عن حقنا فيها.


ترون أيها الرفقاء، أنّ الـحالة قد تـحسنت نوعاً وأنّ تـحسّنها الـحقيقي يعود، في الدرجة الأولى، إلى وحدتكم القومية وبثّكم الوعي القومي الاجتماعي في الأمة، وإلى جهادكم القومي الـحقيقي ووقوفكم في وجه الاحتلال الفرنسي وحيدين، وما يخرج من عملية التصفية والتحليل للموقف هو أنّ الـحقيقة الثابتة الوحيدة في شؤون الأمة والوطن ومصيرهما هي حقيقة حزبكم وعقيدته وقوته. في حزبكم تقرر، منذ البدء، مبدأ السيادة القومية ومبدأ عضوية الدولة القومية الاجتماعية ونظامها واستقلالها، وفي حزبكم تـحققت السيادة الـحقيقية والاستقلال الـحقيقي والـحرية الـحقيقية. وفي حزبكم يجب أن تروا السيادة والاستقلال والـحرية القومية فلا ضمان لشيء من ذلك إلا به وفيه، وليس للمظاهر الـخارجية الأخرى، أية قيمة حقيقية عند الامتحان فكم من استقلال معترف به بيع في الأسواق البيضاء أو السوداء بَيْعَ الأملاك الـخصوصية، أنظروا ماذا كانت قيمة استقلال الشام في عهد فيصل بن الـحسين وماذا كانت قيمة «الاعتراف» بذاك الاستقلال، وانظروا ما كانت قيمة استقلال بولونية وحدود وطنها وقيمة استقلال لتوانية وأستونية ولتوية (لتونية). فلا تنخدعوا بشيء من الـمظاهر الـخارجية وافتحوا عيون الشعب لكي لا تكون حالة الاستقلال النسبي الـحاضرة أُلهية ساعة وتنقضي لا يُعرف كيف انقضت.


إنّ حالة الأمة والوطن لا تزال في معظمها، حيث تـحتاج إلى تطبيق الـمنهاج السياسي الذي أعلنته في خطابي في أول يونيو/حزيران 1935، فقليلة هي التعديلات والزيادات التي يجب إدخالها عليه بالنظر إلى الـحالة الـحاضرة. في ذلك الـخطاب أعلنت أنّ الـحزب القومي الاجتماعي هو دولة الشعب الـمستقل، وأننا قد حررنا أنفسنا في الـحزب من كل سلطة وكل إرادة أجنبية، وأنه بقي علينا أن نحرر أمتنا بأسرها ووطننا بكامله. ومنذ ذلك الوقت قد جاهدنا كثيراً وحققنا بعض الرغائب ولكن لا يزال أمامنا القسم الأعظم من الطريق الطويلة الشاقة الـمؤدية إلى الغاية الأساسية الأخيرة التي هي بدورها ابتداء استمرار لـحياة مثالية طويلة ولعمل إنساني واسع. فالأمة خارج صفوف النهضة القومية الاجتماعية، تتخبط في فوضى لا مثيل لها، وقد زادت طينها بلّة حالة السيادة والاستقلال الفجائية، فانطلقت الشهوات الـحادة ومطامع الـحكم من حالة الكبت التي كانت فيها وأصبحت تشكّل شراً عظيماً في الشعب وخطراً هائلاً على الأمة، والوطن يتمزق بين الـمطامع اليهودية والتركية وجماعات الغرباء والإرادات الأجنبية.


والأحزاب الطائفية الـمستمرة من عهد الاستعمار الذي أوجدها لتسد طريق امتداد الوعي القومي إلى جميع فئات الشعب، منصرفة إلى عملية الشقاق والفتنة.
إنّ حالة أمتنا ووطننا الـحاضرة، لا تزال الـحالة عينها التي تستدعي التوجه بالكلية إلى مزية أولية أساسية من مزايا حزبكم ونهضتكم العظيمة، أعني مزية البطولة الـمؤمنة. فإن أزمنة مليئة بالصعاب والـمحن تأتي على الأمـم الـحية فلا يكون لها إنقاذ منها إلا بالبطولة الـمؤيدة بصحة العقيدة، فإذا تركت أمة ما اعتماد البطولة في الفصل في مصيرها، قررته الـحوادث الـجارية والإرادات الغريبة.


إنّ حزبكم قد افتتح عهد البطولة الشعبية الواعية، الـمؤمنة الـمنظمة في أمتكم. فإن عهدكم هو عهد البطولة فلا تتخلوا عن طريق البطولة ولا تركنوا إلى طريق الـمساومة الغرَّارة. قد أكسبَت حزبكم مرونة سياسته الأصلية ودبلوماسية مدرسته السياسية الدقيقة الفكر، أنصاراً كثيرين، وألّفت قلوب جماعة كانت بعيدة عن الـحزب. ولكن أقول لكم إنّ قوتكم الـحقيقية ليست في الـؤلفة قلوبهم ولا في الـمتقربين إليكم في طور نـموكم بعد زوال كابوس الاحتلال العسكري الأجنبي، بل في بطولتكم الـمثبتة في حوادث تاريخ حزبكم وفي عناصر رئيسية هي: صحة العقيدة وشدة الإيـمان وصلابة الإرادة ومضاء العزيـمة. فإذا فقدتـم عنصراً واحداً من هذه العناصر الأساسية انصرف عنكم الـمناصرون وتفرّق الـمتقربون.


لتفعل إدارتكم العليا كل ما تقدر عليه في ميدان السياسة والدبلوماسية فذلك من خصائصها. أما أنتم فإياكم من صرف عقولكم وقلوبكم إلى السياسة والدبلوماسية، واحذروا من اختلاط السياسة والدبلوماسية وأغراضهما بعقيدتكم وإيـمانكم وعناصر حيويتكم الأساسية، لئلا تكون العاقبة وخيمة.


كل عقيدة عظيمة تضع على أتباعها الـمهمة الأساسية الطبيعية الأولى التي هي: انتصار حقيقتها وتـحقيق غايتها. كل ما دون ذلك باطل. وكل عقيدة يصيبها الإخفاق في هذه الـمهمة تزول ويتبدد أتباعها.


عوا مهمتكم بكامل خطورتها والْهَجُوا دائماً بهذه الـحقيقة الكبرى - حقيقة عقيدتكم ومهمتكم - حقيقة وجودكم وإيـمانكم وعملكم وجهادكم.
مارسوا البطولة ولا تخافوا الـحرب بل خافوا الفشل.
بوينُس آيرس في 10 يناير/كانون الثاني 1947

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro